الاثنين، 2 يناير 2012

الفرزدق يمدح علي زين العابدين بن الحسين


قصة القصيدة:    

حج هشام بن عبد الملك في خلافة الولي أخيه، ومعه رؤساء أهل الشام، فجهد أن يستلم الحجر فلم يقدر من ازدحام الناس، فنصب له منبر فجلس عليه ينظر إلى الناس، وأقبل علي زين العابدين بن الحسين وهو احسن الناس وجهاً، وأنظفهم ثوباً، وأطيبهم رائحة، فطاف بالبيت، فلما بلغ الحجر الأسود تنحى الناس كلهم وأخلوا له الحجر ليستلمه، هيبة وإجلالاً له، فغاظ ذلك هشاماً وبلغ منه، فقال رجل لهشام: من هذا أصلح الله الأمير؟ قال: لا أعرفه، وكان به عارفاً، ولكنه خاف أن يرغب فيه أهل الشام ويسمعوا منه. 
فقال الفرزدق وكان لذلك كله حاضراً: أنا أعرفه، فسلني يا شامي. قال: ومن هو؟ قال:
                                استمع إلي القصيدة بالضغط هنا
                       واستمع إليها بصوت آخر من هنا
وواستمع إليها بصوت ياسين التهامي من هنا


هَذا الّذي تَعرِفُ البَطْحاءُ وَطْأتَهُ  ‍
هذا ابنُ خَيرِ عِبادِ الله كُلّهِمُ،  ‍
هذا ابنُ فاطمَةٍ، إنْ كُنْتَ جاهِلَهُ،  ‍
وَلَيْسَ قَوْلُكَ: مَن هذا؟ بضَائرِه،  ‍
كِلْتا يَدَيْهِ غِيَاثٌ عَمَّ نَفعُهُمَا،  ‍
سَهْلُ الخَلِيقَةِ، لا تُخشى بَوَادِرُهُ،  ‍
حَمّالُ أثقالِ أقوَامٍ، إذا افتُدِحُوا،  ‍
ما قال: لا قطُّ، إلاّ في تَشَهُّدِهِ،  ‍
عَمَّ البَرِيّةَ بالإحسانِ، فانْقَشَعَتْ  ‍
إذا رَأتْهُ قُرَيْشٌ قال قائِلُها:  ‍
يُغْضِي حَياءً، وَيُغضَى من مَهابَتِه،  ‍
بِكَفّهِ خَيْزُرَانٌ رِيحُهُ عَبِقٌ،  ‍
يَكادُ يُمْسِكُهُ عِرْفانَ رَاحَتِهِ،  ‍
الله شَرّفَهُ قِدْماً، وَعَظّمَهُ،  ‍
أيُّ الخَلائِقِ لَيْسَتْ في رِقَابِهِمُ،  ‍
مَن يَشكُرِ الله يَشكُرْ أوّلِيّةَ ذا؛  ‍
يُنمى إلى ذُرْوَةِ الدّينِ التي قَصُرَتْ  ‍
مَنْ جَدُّهُ دان فَضْلُ الأنْبِياءِ لَهُ؛  ‍
مُشْتَقّةٌ مِنْ رَسُولِ الله نَبْعَتُهُ،  ‍
يَنْشَقّ ثَوْبُ الدّجَى عن نورِ غرّتِهِ  ‍
من مَعشَرٍ حُبُّهُمْ دِينٌ، وَبُغْضُهُمُ  ‍
مُقَدَّمٌ بعد ذِكْرِ الله ذِكْرُهُمُ،  ‍
إنْ عُدّ أهْلُ التّقَى كانوا أئِمّتَهمْ،  ‍
لا يَستَطيعُ جَوَادٌ بَعدَ جُودِهِمُ،  ‍
هُمُ الغُيُوثُ، إذا ما أزْمَةٌ أزَمَتْ،  ‍
لا يُنقِصُ العُسرُ بَسطاً من أكُفّهِمُ؛  ‍
يُستدْفَعُ الشرُّ وَالبَلْوَى بحُبّهِمُ،
  
  وَالبَيْتُ يعْرِفُهُ وَالحِلُّ وَالحَرَمُ
  هذا التّقيّ النّقيّ الطّاهِرُ العَلَمُ
  بِجَدّهِ أنْبِيَاءُ الله قَدْ خُتِمُوا
  العُرْبُ تَعرِفُ من أنكَرْتَ وَالعَجمُ
  يُسْتَوْكَفانِ، وَلا يَعرُوهُما عَدَمُ
  يَزِينُهُ اثنانِ: حُسنُ الخَلقِ وَالشّيمُ
  حُلوُ الشّمائلِ، تَحلُو عندَهُ نَعَمُ
  لَوْلا التّشَهّدُ كانَتْ لاءَهُ نَعَمُ
  عَنْها الغَياهِبُ والإمْلاقُ والعَدَمُ
  إلى مَكَارِمِ هذا يَنْتَهِي الكَرَمُ
  فَمَا يُكَلَّمُ إلاّ حِينَ يَبْتَسِمُ
  من كَفّ أرْوَعَ، في عِرْنِينِهِ شمَمُ
  رُكْنُ الحَطِيمِ إذا ما جَاءَ يَستَلِمُ
  جَرَى بِذاكَ لَهُ في لَوْحِهِ القَلَمُ
  لأوّلِيّةِ هَذا، أوْ لَهُ نِعمُ
  فالدِّينُ مِن بَيتِ هذا نَالَهُ الأُمَمُ
  عَنها الأكفُّ، وعن إدراكِها القَدَمُ
  وَفَضْلُ أُمّتِهِ دانَتْ لَهُ الأُمَمُ
  طَابَتْ مَغارِسُهُ والخِيمُ وَالشّيَمُ
  كالشمس تَنجابُ عن إشرَاقِها الظُّلَمُ
  كُفْرٌ، وَقُرْبُهُمُ مَنجىً وَمُعتَصَمُ
  في كلّ بَدْءٍ، وَمَختومٌ به الكَلِمُ
  أوْ قيل: "من خيرُ أهل الأرْض؟قيل:هم
  وَلا يُدانِيهِمُ قَوْمٌ، وَإنْ كَرُمُوا
  وَالأُسدُ أُسدُ الشّرَى، وَالبأسُ محتدمُ
  سِيّانِ ذلك: إن أثَرَوْا وَإنْ عَدِمُوا
  وَيُسْتَرَبّ بِهِ الإحْسَانُ وَالنِّعَمُ


شرح مبسط للنص  


وبعد أن أتم قصيدته أمر به إلى السجن، فأرسإليه علي بن الحسين عشرة آلاف درهم وقال: اعذر أبا فراس، فلو كان عندنا في هذا الوقت أكثر من هذا لوصلناك به. فردها وقال: ما قلت ما كان إلا لله، وما كنت لأرزأ عليه شيئاً. فقال له علي: قد رأى الله مكانك فشكرك، ولكنا أهل بيت إذا أنفذنا شيئاً ما نرجع فيه. فأقسم عليه فقبلها.