السبت، 1 أبريل 2017

إذا اعتقد الناس في كذب الشعر والشعراء !!

أورد الجاحظ في البخلاء، عن وال كان بفارس، قال:
بينا هو يوما في مجلس، وهو مشغول بحسابه وأمره، وقد احتجب بجهده، إذ نجم شاعر من بين يديه، فأنشده شعرا مدحه فيه، وقرّظه، ومجّده. فلمّا فرغ قال: «قد أحسنت» . ثم أقبل على كاتبه فقال: أعطه عشرة آلاف درهم» . ففرح الشاعر فرحا شديدا؛ فلما رأى حاله قال: «وإني لأرى هذا القول قد وقع منك هذا الموقع؟ اجعلها عشرين ألف درهم» . فكاد الشاعر يخرج من جلده، فلما رأى فرحه قد تضاعف، قال: «وإن فرحك ليتضاعف على قدر تضاعف القول؟ أعطه يا فلان أربعين ألفا» . فكاد الفرح يقتله.
فلما رجعت إليه نفسه قال الشاعر له: «أنت، جعلت فداك، رجل كريم؛ وأنا أعلم أنك كلما رأيتني قد ازددت فرحا، زدتني في الجائزة، وقبول هذا منك لا يكون إلا من قلة الشكر» . ثم دعا له وخرج.
قال: فأقبل عليه كاتبه فقال: «سبحان الله! هذا كان يرضى منك بأربعين درهما تأمر له بأربعين ألف درهم» ؟ قال: «ويلك! وتريد أن تعطيه شيئا»؟ قال: «ولم امرت له بذلك» ؟ قال: «يا أحمق، إنما هذا رجل سرّنا بكلام، وسررناه بكلام. هو حين زعم أني أحسن من القمر، وأشدّ من الأسد، وأن لساني أقطع من السيف، وأن أمري أنفذ من السّنان هل جعل في يدي من هذا شيئا أرجع به إلى بيتي؟ ألسنا نعلم أنه قد كذب؟ ولكنه قد سرّنا حين كذب لنا، فنحن أيضا نسرّه بالقول ونأمر له بالجوائز، وإن كان كذبا، فيكون كذب بكذب وقول بقول. فأما أن يكون كذب بصدق وقول بفعل، فهذا هو الخسران المبين الذي سمعت به».
انظر. الجاحظ (المتوفى: 255هـ)، البخلاء، (دار ومكتبة الهلال، بيروت

الطبعة: الثانية، 1419 هـ)، ص49
Comments
0 Comments

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اكتب تعليقك